الفتوى العلمية Scientific Fatwa

الدكتور عادل عبد الرحمن الصالحي
استشاري علم النفس الإكلينيكي وعلوم العلاج النفسي والعصبي
رئيس الجمعية العراقية للعلاج النفسي
عضو الهيئة العلمية العليا للنقابة العامة للطب التكميلي

كثرت في الآونة الأخيرة ما نطلق عليه مسمى (فتاوى علمية..) أضحى يفتي بها: كل من هبّ ودبّ، القاصي والداني، العالِم والجاهل، المتعلّم وغير المتعلّم، المتخصّص وغير المتخصّص، لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الفيسبوك والانستغرام واليوتيوب وغيرها… في أمور علمية صرفة تتطلّب أناس علماء متخصّصين استشاريين ومؤهلين للبتّ في أمور علمية تخصّصية (مع احترامنا وإجلالنا لكل التخصصّات ولكل المهن)… وأصبح البعض ممن لديه مريض في بيته، يفتي للآخرين بأمور تخص ذلك المرض أو الاضطراب، وأصبح الجاهل يفتي بأمور لا يفقه عنها شيئاً… كما أصبح بعض المتخصّصين في تخصّصات معينة، يفتون أيضاً بأمور علمية بعيدة كل البعد عن تخصّصاتهم الدقيقة…. فلا يعني أنك شخص متخصّص، أو عندك إطلاع بسيط، في أمر أو جانب أو مجال معين، أن لك الحق في (الإفتــاء) في جوانب علمية أخرى حتى لو كانت مقاربة لتخصّصك، فالفتوى العلمية حكمٌ، والحكم ينبغي أن يصدر من ذوي تخصّص مؤهلين على وفق شروط كثيرةً سنتحدث عنها لاحقاً…

والطامة الكبرى هنا… إن ما سبق لا يعدّ مشكلة بحدّ ذاتها…. بل المشكلة الأعظم أن هنالك من يستمع إلى هؤلاء وفتاواهم (غير الدقيقة والمغلوطة والمشتتة)، ويطبّل ويهلّل لهم، وينجرف وراءهم…. تلك هي المشكلة..

والآن…. دعونا نفهم أولاً معنى الفتوى بشكل عام، من الناحية الدينية مثلاً، ومن ثمّ سنتطرّق إليها من الناحية العلمية لاحقاً… فالفتوى من الناحية الدينية هي مرسوم ديني يقوم بإصداره علماء متخصّصون في الدين والشريعة والفقه الإسلامي بحسب الأدلة الشرعية المأخوذة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة. كما يعدّ إصدار الفتوى في الإسلام أمراً عظيماً من ناحية المسؤولية، ويعدّ البعض أن من يصدر الفتوى إنه شخص صاحب علم لا يعلى عليه في البت والقضاء والإفتاء في أمور جدلية مثل الأمر والنهي، أو إطلاق مسميات مثل الحلال والحرام، أو مستحب ومكروه وما إلى ذلك….ويعتقد بعض المتخصّصين في اللغة العربية واستناداً إلى النص القرآني في قصة يوسف (عليه السلام):

((وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)).

إن معنى (أفتوني..) في هذه الآية الكريمة هي (بينوا لي علماً أستفيد منه). والفتوى في العقيدة الإسلامية هي تعبير عما وهب الله شخصاً معيناً

من العلم استناداً على السورة السابقة ذاتها (يوسف أيها الصديق أفتنا..)، (لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي..).

وما يندرج على ما سبق من تعريف على الفتوى الدينية، ينسحب أيضاً إلى حدّ ما على ما نسميه بـ: (الفتوى العلمية Scientific Advisory Opinion)، علماً أن الفتوى العلمية أعمّ وأشمل من (الاستشارة العلمية Scientific consultation)، ولذلك يمكننا تعريف الفتوى العلمية بما يأتي:

((هي مرسوم علمي يقوم بإصداره علماء متخصّصون استشاريون في التخصّص العام والدقيق والبحث العلمي الرصين بحسب الأدلة العلمية المأخوذة من الدراسة والخبرة والتخصّص والبحوث والتجارب العلمية الرصينة الدولية على مستوى التخصّص الدقيق وليس العام.. كما يعدّ إصدار الفتوى العلمية أمراً عظيماً من ناحية المسؤولية، ويعدّ البعض أن من يصدر الفتوى إنه شخص صاحب علم لا يعلى عليه في البت والقضاء والإفتاء في أمور علمية جدلية لكنها تخصًصية، تخص الموضوع الذي يستفتى له…. وما إلى ذلك….))

ويتمّ إصدار (الفتوى) عادة نتيجة غياب جواب واضح وصريح يتفق عليه الغالبية في أمر من أمور العلم والمعرفة، ويتعلّق بموضوع شائك ذي أبعاد قد تكون نفسية أو طبية أو عصبية أو حيوية أو كيمياوية أو تكنولوجية وغيرها. ويطلق تسمية (المُفتي العلمي) على الشخص الذي يقوم بإصدار الفتوى العلمية. كما نجد إن بعض (الفتاوى) تصدر عن أشخاص جهلة لا يعدّون أهلاً لإصدار تلك الفتوى، كونهم غير متخصّصين أو غير مؤهلين للبت في أمور علمية دقيقة.

ومن أهم شروط (الإفتاء العلمي)، أو من يقوم بالإفتاء العلمي (أن تتحقّق فيه كل الشروط العشرة الآتية بدون أي نقص):

  1. الشهادة العليا التخصّصية في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  2. اللقب العلمي التخصّصي (أستاذ أو أستاذ مساعد) في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  3. التخصّص العام والتخصّص الدقيق في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  4. الخبرة المتراكمة في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  5. الإطلاع والمعرفة المكثفة في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  6. أن يكون باحثاً علمياً متخصّصاً ومشهوداً له في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  7. له بحوث علمية رصينة منشورة في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  8. أن يكون عضواً في واحدة في الأقل مما يأتي: جمعية أو رابطة أو مؤسسة علمية رصينة دولية في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  9. أن يكون على دراية عامة كاملة ومطلّعة، وله مؤلفات (بحوث أو كتب أو دوريات أو مقالات) في مجال موضوع الإفتاء العلمي.
  10. أن يكون على دراية خاصة كاملة ومطلّعة بالذات في مجال موضوع الإفتاء العلمي.

تلك هي أهم الشروط الواجب توفّرها في (المُفتي العلمي).

أخواتي وأخوتي الأعزاء…

قبل أن تستشير وتطلب (فتوى علمية) من أي شخص كان، أو تقرأ أو تطّلع على (فتوى علمية) أو رأي شخصي بالصدفة، من أي شخص كان، أو أي منشور يخص أي جانب علمي تخصّصي من هنا وهناك، أو ضمن أحد منشورات الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي، أو مقاطع اليوتيوب أو غيرها…. تأكّد من أن صاحب تلك (الفتوى) تتحقّق فيه الشروط أعلاه كلّها (بدون أي نقص لأي شرط) قبل تتطلّع على (تلك الفتوى)… فإن لم تتحقّق تلك الشروط بأكملها على ذلك الشخص، فأعلم أنه أحد الدخلاء على (الفتاوى العلمية)، ولا ينبغي لكم الاستماع إليه مطلقاً… فهو غير مؤهل بتاتاً للحكم وللإفتاء لا قانونياً ولا علمياً.. ولا دولياً..

مع وافر الود والاحترام…

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *