الدونية وعقدة النقص.. ونظرة في التحليل النفسي الأدلري

الدكتور عادل الصالحي
استشاري علم النفس الإكلينيكي وعلوم العلاج النفس والعصبي

((هنالك قاعدة بسيطة في التعامل مع صعبي المراس… هو أن تتذكر ان الشخص يكافح ليثبت تفوقه ويجب أن تتعامل معه من وجهة نظره))، و…. ((يجب أن نفسر المزاج السيء كإشارة للنقص)) الفريد أدلر

عقدة النقص أو الدونيّة هو شعور الإنسان بالعجز العضويّ أو الاجتماعيّ أو الثقافي أو النفسي أو العلمي أو في جوانب الشخصية المختلفة، بطريقة تؤثّر في سلوكه، وقد اتّجه عالم النفس النمساوي الشهير ألفريد أدلر Alfred Adler إلى القول بأن مركّب النقص هو الذي يحرّك الإنسان في كافّة أفعاله بحيث يتّجه دائماً إلى تعويض شعوره بذلك النقص. وتتّجه حالات الشعور بالنقص إلى أحد اتجاهين لتجاوز تلك الأزمة، لعّل أهمها هو التعصّب والإغراق في الشعور بالنقص ممّا يؤدّي إلى خروج الطاقات السلبية في أشكال العنف والجريمة، وانتقاد الآخرين واستخدام آلية الإسقاط كوسيلة دفاعية لا شعورية، وفي الغالب تكون تلك الأفعال سلبيّة وشديدة الحدّة بحيث يمكن ملاحظة مدى غرابتها، وبتكرار تلك الأفعال يبدأ البعض في وصف تلك الحالة بعقدة النقص، حيث يقوم الشخص بإبداء ردود أفعال معيّنة في المواقف المختلفة تعبّر عن شعوره بالنقص.
ولعل أبرز مظاهر الدونية والشعور بالنقص لدى البعض هو التشكيك بالآخرين ومحاربتهم أو انتقادهم لا شعورياً… لا سيما محاربة المتفوقين عليهم فكريا وعلمياً وثقافياً… أي محاربة من لا يستطيعون مهما فعلوا الوصول إلى مستويات الذين يشككون فيهم العلمية والذهنية… فنراهم يشككون في الآخرين، وفي درجاتهم ومستوياتهم العلمية وحتى ألقابهم العلمية… فنراهم أحياناً يكتبون منشورات كاملة أو تعليقات تشير بوضوح إلى دونيتهم وشعورهم الشديد بالنقص… أو ينتقدون الآخرين في شتى المواقف..
ووفقاً لعالم النفس ألفريد أدلر الذي كان أول من صاغ مصطلح عقدة النقص Inferiority complex في نظريته، التي تبدأ بوادرها منذ الطفولة المبكرة. ويشير إلى أن كل طفل يعاني من مشاعر الدونية Inferiority نتيجة لكونه محاطًا بأشخاص بالغين أقوى وأكثر قدرة منه، فهو يشعر بالعجز، وتحفزه هنا مشاعر الدونية. إذ يريد الطفل أن يصبح مثل هؤلاء الآخرين الذين يحيطون به. وهكذا تبدأ مشاعر الدونية مبكراً في الطفولة، وتستمر معه طوال حياته.

فقد يشعر الشخص بالنقص عندما يقوم شخص آخر بعمل شيء أفضل منه أو ينتقده أو يؤكد سلطته عليه. وعندما يبدأ الطفل بالنمو يصبح بمرور الوقت مهووساً بمشاعره الأصيلة الخاصة بالدونية التي عاشها سابقاً مبكراً في طفولته، لذا فهو يسعى جاهداً للحصول على القوة والاعتراف به عن طريق إبراز نفسه بشكل باهر أمام الآخرين. أما إذا فشل ذلك الشخص في مواجهة تحديات معينة في حياته للتعويض عن شعوره بالنقص، فإنه سيعمل عندها على تطوير ما يسمى بـ:(عقدة النقص) لديه. وبذلك تتحول المشاعر من مجرد مشاعر…. إلى عقدة حقيقية تتطلب العلاج.. لذلك وعلى وفق (أدلر) فأن كل طفل يشعر بالنقص، لكن ليس كل فرد تتطور لديه (عقدة النقص)، لكنها فقط تؤثر في الذين يفشلون في التعويض عن ذلك النقص بالشكل الصحيح.

ومن اللحظة التي ينشأ فيها الشعور بالنقص لدى الطفل فأنه يكافح للتغلب عليها، ولأن النقص لا يحتمل الآليات التعويضية… تنشأ من النفس وتؤدي لظهور اتجاهات عصابية أنانية وإفراط للتعويض وانسحاب من العالم الواقعي ومشاكله. وقد ألقى أدلر الضغط الخاص على الشعور بالنقص ويظهر من اعتبار على ثلاث علاقات مهمة: القائمة بين الفرد والعمل الاصدقاء والمحبوبين، وأن تفادي مشاعر النقص في هذه العلاقات تقود الفرد لتبني هدف حياة غير واقعي ويتكرر التعبير عنه بإرادة غير عاقلة للقوة والسيطرة، وتقود إلى كل نوع من أنواع السلوك المضاد للمجتمع والعدوانية وسلوك من الاستبداد والتفاخر.

وتعدّ مشاعر الدونية (بوصفها مشاعر فقط) طبيعية بحدّ ذاتها. ومن الممكن أن تكون قوة إيجابية محفزة ودافعة لتحقيق الذات وتحسينها. أي بعبارة أخرى، إذا كان الشخص يتمتع بصحة عاطفية جيدة، فسوف يكون لديه الدافع بسبب مشاعر الدونية تلك لإيجاد حل ناجح لمشاكله. وهذا يعني، على وفق أدلر، فأننا نشعر جميعاً بالدونية، وهذا ليس شيئاً سيئاً مطلقاً.

من ناحية أخرى، يعاني بعض الأشخاص من إحساس متشدد بالدونية لدرجة أنه يؤدي إلى استجابة غير صحية. وعندما يحدث هذا، يطور الشخص لديه إما (عقدة النقص Inferiority complex) أو ما يسمى بـ:(عقدة التفوق Superiority complex).

فــ(عقدة النقص) – استناداً إلى إدلر – تعدّ مشاعر حادة بالنقص قد تؤدي إلى الخجل الشديد أو العدوانية والتهجم على الآخرين كتعويض عن تلك المشاعر. فبينما أن مشاعر الدونية العادية يمكن أن تحفز الشخص، إلا أن الدونية كعقدة (عقدة الدونية) تشلّ الشخص وتحجمه، وبذلك يعتقد ويؤمن الأشخاص الذين يعانون من عقدة النقص من أنهم عديمي القيمة أو أنهم فاشلون دائماً، ولذلك يحاولون الظهور على أكمل وجه. وأن يقدموا ويعيدوا التفكير مراراً وتكراراً، من أجل عدم الظهور بمظهر متدني أمام الآخرين في احترام الذات ومنع الفشل عن طريق تجنب التصرف أو العدوانية أو التهجم أو كتابة أشياء قد تزيد من دونيتهم، وفي الوقت ذاته قد تظهر لديهم عقدة أخرى متناقضة هي (عقدة التفوق).

أما (عقدة التفوق): فهي مشاعر مبالغ فيها من إحساس وهمي من التفوق على الآخرين وتستخدم بوصفها آلية دفاع نفسي لإخفاء مشاعر من الدونية الشديدة. وبتعبير آخر، تستخدم (عقدة التفوق) لتغطية (عقدة النقص). إذ أن الاشخاص المصابين بـ(عقدة التفوق) قد يتصرفون على أنهم أفضل وأحسن من الآخرين، لكن في داخلهم…. يوجد لديهم شك كبير في قدراتهم وقابلياتهم، لذلك يحاولون في شتى الوسائل أن لا يظهروا شيئاً من مشاعر الدونية لديهم وأن لا تمسك عليهم أي أدلة تكشف عن (عقدة النقص) لديهم.. فيعيدون التأكد من بعض الأشياء والتهجم على الآخرين بكثرة وشدًة لإخفاء تلك العقد أمام الآخرين..


لمزيد من التفاصيل ننصحكم بقراءة أحد كتب ألفريد أدلر وهو كتاب:

Studie über Minderwertigkeit Von Organ (صورة الغلافة مرفقة)

وفيه حالات مشابهة لما ورد في المقالة أعلاه وحالات أخرى تخص كتابة الملاحظات أو تقارير الطلبة للتدريسيين وإعادتها مرات ومرات مراراً وتكرراً قبل تقديمها للمدرس….

وهنالك كتاب آخر ننصحكم بقراءته أيضاً وهو كتاب:

The Psychology of Alfred Adler: Superiority, Inferiority and Courage

سيكولوجية ألفريد أدلر: التفوّق، والدونية، والشجاعة


ألفريد ادلر: من مواليد فيينا – النمسا في 7 شباط 1870 وتوفي في 28 مايو 1937، وهو طبيب نفسي نمساوي، مؤسس لمدرسة علم النفس الفردي، اختلف مع سيغموند فرويد وكارل يونغ بالتأكيد على أن القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف مع بيئتهم..

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *