بسم الله الرحمن الرحيم
((اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))
صدق الله العظيم
تشرقُ شمسَ يوم السادس من شهر تشرين الأول المنصرم من عام 2016م، لتكون منطلقاً سنوياً لتأسيس جمعيتكم (الجمعية العراقية للعلاج النفسي)، لنستذكر مع نورها مفهوم التوعية الشاملة بالاضطرابات النفسية والعقلية، فضلاً عن التوعية الشاملة بــ(مفهوم وأسس علوم العلاج النفسي والعصبي العلمي الصحيح) عبر العالم… تلك الاضطرابات التي لا تستطيع أن تصفها الكلمات ولا يستطيع أحد أن يعرفَ معاناتهِا أو تبعاتهِا وآلامهِا.. فهو عالمٌ خاص جداً.. ودقيقٌ وغريبٌ في ذاتِ الوقت، ولا يمكن لأحد أن يتفهم شخصاً مصاباً بها ولا أن يعيها أحد.. إلا المختصون، أو ذلك البيت أو الأب أو الأم التي يوجد لديهم أصلاً شخصاً يعاني من تلك الاضطرابات، لاسيما من لم يجد من يسعفه أو يفده في أن يوضّح له معنى مفردة (الاضطراب).. وما هي تبعاته..؟ وما هي أسبابُ ذلك الاضطراب..؟ وما هي الوسائل اللازمة للعلاج..؟ وهل هو اضطرابٌ أبديٌّ مزمن، أم هو مرضٌ شأنه شأن أي مرضٍ آخر قابل للشفاء..؟ وغير ذلك الكثير من التساؤلات التي قد تطرأ على أذهانهم، فالاضطرابات النفسية والعقلية أخوتي فاجعةٌ يتقبلها المرء بالصدمة… فالرفض.. فالقبولُ على مضضٍ…. أو بالأحرى الاستسلام لواقع الحال بمرارتهِ وألمهِ وحرقتهِ… وهذا أقل ما يمكن أن نصف به تقبّل الأهل أو الأشخاص لمصابهم… فقد قدر الله.. وما شاء فعل…
ومن المثير للقلق حقاً هنا من جهة… والشجون من جهةٍ أخرى، أنه بعد أن كانت نسب انتشار الاضطرابات النفسية والعقلية سابقاً متفشية على مستوى كبير، أصبحت اليوم متفشية بشكل كبير جداً جداً، وبحسب آخر التقارير الدولية، تشير إلى أن الاضطرابات النفسية تصيب أكثر من نصف سكان العالم، وأن نسبة 7% من البشر يعانون من الاكتئاب النفسي بأنواعه المختلفة ونسبة 1% منهم يعانون من الفصام و نسبة 3% منهم يعانون من الوسواس القهري، وثلث البشر مصابون بالقلق، ونسبة 1/45 هي نسبة انتشار التوحد في العالم… وغيرها الكثير..
وتدّل دراسات أخرى على تشابه أعراض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان في المجتمعات المختلفة من حيث مظاهرها الرئيسة، وإن لوحظ اختلاف في بعض التفاصيل خصوصاً المعتقدات التي ترتبط بالمرض والاضطراب النفسي، ومفاهيم الناس وتفسيرهم لأسبابها، والأعراض، والطرائق التي يلجأ إليها الإنسان للعلاج، حيث يختلف ذلك تبعاً للخلفية الثقافية والاجتماعية للأشخاص، وتذكر تقارير منظمة الصحة العالمية أن الأمراض النفسية تختلف عن غيرها من المشكلات الصحية الأخرى في أنها تتسبب في الإعاقة، وتمنع المصابين بها من أداء وظائفهم في المجتمع بصورة تفوق غيرها من الأمراض والاضطرابات الأخرى.
كما أن التقدم العلمي والطبي الذي أدى إلى تحسن غير مسبوق في الحالة الصحية الإنسان في بلدان العالم المختلفة في السنوات الأخيرة، الذي تمثل في التخلص من كثير من الأمراض المعدية التي ظلت لوقت طويل تحصد الكثير من الأرواح، لم يواكبه تطور مماثل في الصحة النفسية ولا العلاج النفسي في كل الوطن العربي بشكل عام والعراق بشكل خاص، حيث أصبحت الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية تشكل تهديداً خطيراً وتحدياً للإنسانية في العصر الحالي.
والسؤال الذي يطرح نفسَهُ هنا… أين نحن من كل هذا وذاك… ما الذي فعلناه…؟ وما الذي قدمناه..؟ للسيطرة أو الحدّ أو التخفيف أو علاج كل أو بعض من تلك الاضرابات النفسية، فالعلاج الدوائي لا يكفي، والعلاج التأهيلي لا يكفي، والعلاج النفسي غير المستند على أسس علمية صحيحة لا يكفي…!! فهل يمكن للمصابين بتلك الاضطرابات أن ينعموا بتحسّن أو شفاء كامل…؟؟ نستطيع أن نقول وبيقين قاطع… نعم.. لكن بتضافر الجهود بين الجميع…. بدءاً من الفحصِ والتشخيص الدقيق مروراً بتفهم وتقبل المجتمع ومن ثمّ تقبّل الأهل والأقرباء والأصدقاء لهم، وانتهاءً بالعلاج النفسي الصحيح والتأهيل العلمي المتخصّص تحت إشراف المتخصصين.. والمعالجين النفسانيين المجازين والمؤهلين رسمياً لأخذ زمام الأمور جنباً إلى جنب مع زملاؤهم المتخصصون في المجالات المقاربة من الطب النفسي والإرشاد النفسي والتوجيه التربوي، وغيرها من التخصصات ذات العلاقة.
ولهذا كلّه نجتمع اليوم أيها الجمعُ الكريم …. بعد مُضيّ سنوات من الجهدِ والمثابرةِ والإصرارِ والتآزر، منا نحن أخوتكم المؤسسين، جنباً إلى جنب مع الخيرين من أبناء هذا البلد.. العلماءَ والأكاديميين.. الأطباءَ والمختصين.. الخبراءَ والمعلمين والمربين….. أنتم أحبتي…. استطعنا ولله الحمد أن نشهد تأسيس (الجمعية العراقية للعلاج النفسي)… وذلك في 6-10-2016م بعد معاناة دامت أكثر من سنة كاملة لغرض التأسيس… لتكون أول جمعية عربية بشكل عام، وجمعية عراقية من نوعها بشكل خاص تعنى بالعلاج النفسي الصحيح على وفق المعايير العلمية الدولية الصحيحة، لتقديم كل ما يمكن من خدمات العلاج النفسي للمجتمع العراقي بشكل كامل إن شاء الله.
أما بعد…. فعلى الرغمِ.. وأقول على الرغمِ من أن بعض المتخصصين قد يفتقرُ إلى حدّ الآن إلى الخبرةِ والدرايةِ اللازمة لمفهوم أو مهنة العلاج النفسي الصحيح… أو لممارسته أصولياً… إلا أن لكل شيءٍ بداية.. وخطوةُ الألفِ ميل لا تبدأ إلا بخطوة.. فعلينا ضمن هذا الجمعِ الكريم أن نقدّم ما نستطيع في سبيل تحقيق الدعم الكافي علمياً ومادياً ومعنوياً.. وأن نَمُّدَّ يدَ العونِ إلى عوائلِنا العراقية بمختلف أعمارهم وأطفالنا المصابين بالاضطرابات المختلفة ومنها التوحد على وجه الخصوص لكي نُعنى بشؤونهم وعِلاجهم وتأهيلهم.. من أجل اللحاقِ بركبِ التطورِ الحاصلِ في كل شيء ومنها في مجال فحصِ وتشخيص وعلاج الاضرابات المختلفة.. لاسيما أنه لا يوجد ولحدّ هذه اللحظة أي معهد أو كلية أو جهة حكومية أو أهلية تعنى بتعليم أو التدريب على العلاج النفسي الصحيح للأسفِ الشديدْ..
وعلى الرغم من كل ذلك … إلا أن القيمةَ الحقيقية للجمعية العراقية للعلاج النفسي لن تُقطَفَ ثمارهِا.. ولن تبدو واضحةٌ معالمهِا.. من دون تبنٍ واضح لأهدافهِا والخروج بتوصياتٍ واضحةٍ لهذه الجمعية التخصّصية، وهذا ما فعلناه ولله الحمد… فضلاً عن السعيَ المتواصل لتحقيق تلك الأهداف وتبنيها وتطويرها مع الجهات ذاتِ العلاقة.. فبالأملِ والعملِ تقوى الإرادة، وتضمحلُ المعوقات، وتتعاظم فرص النجاح، فليقم كل منا بدورهِ ومسؤولياتهِ.. على أن ننشدَ الإتقان والجودة في سائرِ أعمالنا ولنحققَ بذلك محبةُ الله تعالى امتثالاً لقولِ رسولهِ الكريم محمد (ص) ((إن اللهَ يحبُ إذا عَمَلَ أحدُكم عَملاً أن يتقنه))…
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته